بين الحب والاحترام في ميزان العلاقات

 


  

كانت سمرة فتاة محبة للناس، تتسم بالهدوء والانسجام مع من حولها. كانت تؤمن

 بأن مفتاح الحلول كلها يكمن في المحبة. وإذا تحدثت بالكلمات، لربما قالت إن أن تكون محبوبًا ليس بتلك الأهمية، لكن في واقع حياتها، كانت تعطي الأولوية للشعور بأنها محبوبة. وكانت تتألم كثيرًا حين تشعر أنها غير مرغوبة، حتى وإن لم تكن تدرك ذلك دائمًا.

 

منذ طفولتها، كانت تولي اهتمامًا كبيرًا لما يقوله الناس عنها. أي موقف مفرح تمرّ به كانت تبادر فورًا لمشاركته مع أصدقائها، وكذلك إن أصابها حزن أو إخفاق، كانت تسارع بالبوح به.

 

في الآونة الأخيرة، لم تكن الأمور تسير كما تشتهي. كانت تتابع دراستها العليا في الجامعة، غير أن علاقتها بالدكتورة إقبال، مشرفتها، لم تكن جيدة. حاولت كثيرًا أن تكسب ودها، لكنها لم تفلح. وذات يوم، جلست تشكو حالها إلى صديقتها فيْزة:

 

– يا فيزة، مهما فعلت أشعر أن الدكتورة إقبال لا تطيقني. طوال حياتي، كنت أستطيع بناء علاقات طيبة مع أساتذتي قائمة على المودة والاحترام. لكنها لا تبدي أي اهتمام، تتجاهلني وكأنني غير موجودة. نظراتها باردة، لا تتحدث إلا في نطاق الدرس، وحتى خارج المحاضرة لا تكاد تبادلني أي حديث. تنتقد أخطائي بسرعة، أما إن أحسنت تقول فقط: "جيد، يكفي" وتمضي. لا تسأل عن حالي، وكأنني آلة للمهام فقط. صحيح أنني أتعلم منها الكثير، فهي عالِمة بحق، لكن الحاجز بيننا يؤلمني. أشعر أنها لا تحبني.

 

-ابتسمت فيزة وقالت: يا إلهي يا سمرة، ربما هذا مجرد طبعها! كل إنسان له طريقته في التعبير. وماذا في ذلك؟ سواء أحبتك أم لا، المهم أنك تستفيدين علميًا. لا تدعي هذه التفاصيل تشتت تركيزك.

 

ردّت سمرة بنبرة متضايقة:

– لا أفهمك! تبدين باردة المشاعر. بل أظنك تشبهينها. أترين أن الإنسان يمكن أن يعيش دون حب؟ أحيانا أفكر: هل يا ترى لم يحبها أحد يومًا؟ هل هذا ما جعلها بهذه القسوة؟ أشفق عليها... يبدو لي وكأنها أضاعت حياتها دون طعم أو دفء.

  



قالت فيزة بهدوء:

– أنت تُعطين الأمور أكبر من حجمها. أنا لا أُشغل نفسي بمثل هذه التفاصيل. سواء أحبني الأستاذ أو لم يحبني، لا يهمني. بل أقول لك: حتى لو أحبني، من قال إنني سأحبه؟ أنا لا أقيّم الناس على هذا الأساس. ما يعنيني هو الاحترام، هذه قيمي الأولى. أن يحترمني من أمامي، وأن أحترمه. أما الحب، فشيء اختياري لا يُفرض.

 

سألتها سمرة بدهشة:

– وما هو المهم عندك إذًا؟ ألا تحتاجين لأن يحبك أحد؟

 

أجابت فيزة:

– لا أقول إنني لا أحب، لكنني أحب بصعوبة، وأنتقي من أحبهم. أقدّر الإنسان المفكر، الطموح، الواضح، الواقعي. يعجبني من يحترم خصوصية الآخرين ويحترم ذاته. لا أحب العلاقات المبالغ فيها، ولا الأشخاص الذين يتجاوزون حدودهم باسم القرب أو العاطفة. شخص يضحك كثيرًا، ويتودد بلا وعي، لكنه لا يعرف ما أحتاجه فعلًا... هذا لا يقدم لي شيئًا. بل ربما يضرّني في النهاية. لذلك، عندي الاحترام أولى من الحب. لا بأس أن نكون مختلفين، المهم أن نحترم اختلاف بعضنا.

 

قالت سمرة بتأمل:

– لم أنظر للأمر من هذا المنظور من قبل. كنت أظن أن من لا يحب ولا يُحب هو إنسان وحيد، بارد، لا معنى لحياته.

 

قالت فيزة:

– لا، لست ضد الحب، لكنني أراه شيئًا يأتي بالتدريج، حين يكون صادقًا ومبنيًا على فهم. أما الاحترام، فهو القاعدة الأساسية لكل علاقة ناجحة. لا يمكننا أن نحب كل الناس، لكن يمكننا أن نحترمهم جميعًا.

 

لكل إنسان في الحياة قيمه التي يعتز بها.

 

فمن الناس من يرى أن الحب هو الأساس، ومنهم من يضع الاحترام في المقدمة.

 

والحقيقة أن كليهما ضروريان في العلاقات، بشرط أن يكونا بالقدر المناسب وفي الوقت المناسب.

 

لكن، ما فائدة أن ندرك هذه الاختلافات بيننا؟

 

الإنسان كائن اجتماعي بطبيعته، لا يستطيع العيش دون تواصل وتفاعل. ولهذا، فهو بحاجة لأن يعرف نفسه أولًا، ثم يفهم من حوله. عليه أن يدرك احتياجاته الحقيقية، ويعرف من يمكنه أن يسدّها. بهذا فقط يمكن أن يعيش حياة متزنة وثرية.

 

يقول علم تصميم الخبرات: "اختلافاتنا هي مصادر غنانا."

 

تمامًا كما أن من يريد طهي طعام معين، يذهب للسوق ليشتري المكونات المناسبة له، كذلك نحن في حياتنا نحتاج لاختيار الأشخاص حسب ما نحتاجه ونقدّره.

 

وكما أن الصانع في مجال النسيج لا يختار المواد بعشوائية، بل يحدد ما يحتاجه بناءً على نوع الإنتاج الذي يخطط له، كذلك ينبغي للإنسان أن يختار من يحيط نفسه بهم بعناية وفهم.

 

فلنحرص أن نكون ممن يعرفون أنفسهم، ويفهمون من حولهم...

 

فعندها فقط، تبدأ القطع المفقودة في حياتنا بالاكتمال، وتتشكّل صورة أوضح، لعلاقات أنضج، وحياة أكثر توازنًا.



استراتيجيات لتصميم مستقبلنا، بناءً على تجارب الماضي.

ومن خلال ندواتها "من هو"، و"الإتقان في العلاقات"، و"علم نفس الناجح"، فإنها تعلم الأشخاص الذين يريدون أن يكونوا سعداء وناجحين الأساليب التي يحتاجونها لحل مشاكلهم وتحقيق أهدافهم.

 

"هناك شيء واحد فقط في الحياة لا يمكن اكتشافه أبدًا: شيء أفضل..."

يحيى حموركو-



Yorumlar

Ayşe Budak dedi ki…
İkisi de 😊
Emel dedi ki…
Emeginize saglık
Ncy Bşl dedi ki…
Her ikisi de ama kıvamında ;))