قصة أفوكادو…وقلب طفل

 


أحضرتُ لكِ الأفوكادو لأنك تحبينه!

– شكرًا يا حبيبي، كم أنت لطيف.

 

ذهب السيّد هاكان إلى سوق الحيّ، واشترى حاجات الأسبوع، بينما كانت السيّدة نرمين ترتّب المشتريات في المطبخ. لكن قلبها كان منشغلًا بشيء آخر… تفكّر بالطفل “فُركان”، ذلك التلميذ الذي لم يستطع بعد أن يبدأ القراءة. فقدَ والدته مؤخرًا، وكأن الحياة توقفت عنده، وانزوت روحه الصغيرة عن العالم.

 

كعادتها، لفت نرمين حبّات الأفوكادو بورق بني، ووضعتها في زاوية دافئة من المخزن. عادة ما تليّن خلال يومين أو ثلاثة، لتُؤكل على مائدة الفطور بلذّة. لكن هذه المرة مرّ الوقت… ولم تلِن. بقيت صلبة، تمامًا كقلب فُركان الذي لم يذُب بعد.

 

سألها هاكان:

– عزيزتي، ماذا جرى للأفوكادو هذه المرة؟

 

وكان جوابها في كل مرة:

– القليل من الصبر… فقط القليل بعد.

 

لم تكن تفكّر بالتخلي عنها، بل كانت تؤمن أن بداخلها نضجًا مخفيًا، سيظهر في يوم ما. قرأت على الإنترنت أن وضع تفاحة بجانب الأفوكادو يسرّع نضجها. وضعت تفاحتين قربها، وفي بالها لمع ضوء جديد.

 

تذكّرت “عليّ”، الطفل الهادئ الطيّب، المحب للقراءة في صفها، والذي لطالما أحبّ مساعدة زملائه. وتساءلت في قلبها:

– هل يمكن أن يكون عليّ هو تفاحة فُركان؟

 

تحدثت إلى عليّ بلطف، وشرحت له وضع فُركان. وطلبت منه أن يقترب منه، أن يلعب معه، ويشاركه وقته.

 

ابتسم عليّ وقال بثقة ودفء:

بالتأكيد يا معلمتي! سألعب معه، وندرس سويًا أحيانًا. لا تقلقي، سأكون إلى جانبه.



مرّ الوقت… وبقيت الأفوكادو صلبة

 

مرّت الأيام، وبقيت حبّات الأفوكادو على حالها، صلبة لا تلين. لكن نرمين لم تستغرب، فقد خبرت في حياتها طلابًا قساة الطبع، وأشخاصًا لا يلينون بسهولة. وكانت تؤمن دائمًا أن بالحب والصبر والمثابرة يمكن إصلاح كل شيء.

 

كانت تقول:

“الحياة لا تنظر إلىشكواك، بل إلى سعيك.”

 

نسي هاكان أمر الأفوكادو، لكن نرمين لم تيأس. لم تقل “لن تنضج!” ولم ترمها. وفي أحد الأيام، وبينما كانت ترتب خزانة المؤن، لمستها… وإذا بها قد نضجت أخيرًا! فرحت كثيرًا، وقشّرتها بحماسة. يا لها من مفاجأة! اللون في الداخل كان مذهلًا، أصفر زاهٍ، أجمل مما رأته عيناها من قبل.

 

قطعتها قطعًا صغيرة، أضافت إليها صلصة لذيذة، وزيّنتها بالجوز، وقدّمتها على مائدة الفطور.

 

جلس هاكان على المائدة، ونظر بدهشة إلى طبق الأفوكادو وقال:

– سبحان الله… بالصبر يتحوّل الحامض إلى حلو. أهنئكِ يا عزيزتي!

 

ربما كانت ألذّ أفوكادو تذوقاها في حياتهما!

 

نرمين لم تكن يومًا من الذين ييأسون من الناس. تذكّرت جارتها “علية”، تلك المرأة صعبة الطباع، التي لم يكن أحد في العمارة يحتملها. لكنها، بلين قلبها، استطاعت أن تفتح لها بابًا.

 

ولهذا السبب، كانت تُكلّف دومًا بتدريس أصعب الصفوف. لكنها كانت تُحبب التعلّم حتى لأكثر الطلاب تعقيدًا. وبينما كانت تتذوق الأفوكادو، فكرت في فُركان.

 

نعم… عليّ كان التفاحة التي ساعدت أفوكادو فُركان على النضج!

 

أصبحا يلعبان معًا، وقُبلا في فريق كرة القدم المدرسي، وكانا يدرسان سويًا بعد المدرسة. وهكذا، عاد فُركان إلى الحياة، تعلّم القراءة والكتابة، وبدأ يستوعب دروسه من جديد.

 

فجأة، وجدت نفسها تتذكّر طفولتها.

 

كانت في المرحلة الإعدادية حين تعرفت على “سوناي”، ابنة بقال الحيّ. لم يكن والدها يريد إرسالها إلى المدرسة. لكن نرمين لم تستسلم، وأقنعت العم مصطفى. كانت تنوي منذ البداية أن تكون “تفاحة” سوناي.

 

ذهبتا إلى المدرسة معًا، وجلست سوناي بجوار نرمين، الطالبة المجتهدة في الصف الأمامي. كانت تشرح لها الدروس خلال الفُسح، وسرعان ما تحسنت درجاتها. تمامًا كما فعل عليّ، لم تيأس نرمين من صديقتها، بل ساعدتها على النهوض. واليوم، أصبحت سوناي معلمة فيزياء، وأقرب صديقاتها.

 

فجأة، نادى هاكان من الشرفة بسعادة:

– أزهرت زهرة الكُبيلي أخيرًا! انظري كم هي جميلة!

 

نظرت نرمين إلى الزهرة التي كانت والدتها تحبها، وقد أزهرت. دمعت عيناها، وسمعت صوت أمها يتردّد في ذاكرتها:

 

“الكل يستطيع التعامل مع الطيّب، لكن الخير الحقيقي هو أن تُحسن إلى من يصعب التعامل معه.

يا ابنتي… بالصبر والعزم يُحقق الله المستحيل. فقط لا تفقدي الأمل.”


===

استراتيجيات لتصميم مستقبلنا، بناءً على تجارب الماضي.

ومن خلال ندواتها "من هو"، و"الإتقان في العلاقات"، و"علم نفس الناجح"، فإنها تعلم الأشخاص الذين يريدون أن يكونوا سعداء وناجحين الأساليب التي يحتاجونها لحل مشاكلهم وتحقيق أهدافهم.

 ===

"هناك شيء واحد فقط في الحياة لا يمكن اكتشافه أبدًا: شيء أفضل..."

يحيى حموركو-



Yorumlar